ألعابتقنيةسياحة و سفرصحة و جمالمال و أعمالمنوعات

سيستم العمل في ألمانيا..



بمناسبة اليوم العالمي للعمال، ننقل بكم هذه المقالة من تامر:

شاءت الظروف في حياتي هنا زيارة معظم المدن الألمانية، وذلك ضمن دعوات رسمية لمؤتمرات تكنولوجية أو سياسية، وقدر لي في تلك الأسفار أن ألتقي بالعديد من الأكاديميين والسياسيين أصحاب المناصب وغيرهم من المهرة أصحاب الاختصاصات، الرفيعة الذين ينظرون إلى ألمانيا على أنها عملاق اقتصادي كبير دائم في الساحة الدولية، يبني مرتكزات قوته من خلال نظام العمل والعمالة الماهرة، والخبرات القادمة من مختلف البلاد.

المناخات العملية والبيئة المعيشية ساعدت هذه العوامل على جعل ألمانيا حلم المهاجرين إليها، سواء من أصحاب الاختصاص أو الذين يودون التخصص.

    يتعلم العامل هنا حب المعرفة والتجربة، ليضيف إلى تجاربه خبرة إضافية، ومع توالي الأيام تزداد الخبرات والتجارب ويعلم مالم يكن يعلم ويعمل مالم يكن قد عمله

وحتى تكتسب تلك العمالة القدرة على العمل كان لابد من الحكومة تسهيل عدة عوامل وشروط، وجعل العمل عادة من عادات الحياة الطبيعية هنا، وليس مجرد أمر نجبر على فعله لكسب العيش، فتم تحديد موعد ثابت يوميا للعمل وذلك عند بزوغ نهار كل يوم، لأن القدرة على الالتزام في هذا الوقت تكون أكبر، وطاقة الإنسان بكاملها لم تنهك بعد.

وإذا كانت الظروف المحيطة في هذا البلد قد هيأت الطريق على انتشار العمالة فيها، فأن تلك الظروف نفسها قد ساعدت الحكومة أيضا على جعل ألمانيا أمام العالم نموذج البلد المبتكر، حيث ترتكز على أبحاث علمية رائدة وطموحة، وشبكة عالمية في المجال العلمي، ويحظى الموقع التعليمي والعلمي فيها بصيت وسمعة عاليتين على مستوى العالم، من خلال النظام المدرسي، مرورا بالتأهيل المهني المزدوج، ووصولا إلى المشهد الجامعي المتنوع.

قد لا أخطئ إذا قلت أن ألمانيا الصناعية هي منبع العالم، وأن معظم التطورات الصناعية الأخرى في باقي البلدان شربت من هذا المنبع، فإذا انتقلنا من ألمانيا إلى سائر بقاع الأرض، نجد تأثير الفكر الألماني فيها. فمنهم من يميل إلى فكرها ويحذو حذوها، وهذا الفكر جعل منها عملاقا اقتصاديا في قلب أوروبا، لا أحد يستطيع نكرانه وقد يفوق بقوته الاقتصادية بريطانيا وفرنسا معا. ويكفي أن نعلم أن أساس هذا العملاق هو العمال والمهرة بالدرجة الأولى ومن ثم النهج الإبداعي، وصولا إلى المناخ والبيئة المقدمة من الحكومة في نظام العمل.

لا تحتاج أيها القارئ ذو النفس الحساسة القابلة للنجاح، إلى أكثر من هذا المشهد الإبداعي في مخيلتك عند قراءته، ليتحرك بداخلك فضول الاكتشاف لهذا الأمر، سواء من خلال الهجرة أو اللجوء أو لمجرد السفر وحب الاطلاع على هذا البلد العنيد، المتشبث والراسخ بصناعته.

تكلمت عن هذا الأمر باختصار سابقا في إحدى مدوناتي (ألمانيا وقصة كفاح)، إذ لخصت انخراط العمالة بالعمل في مستهل الكلام، على أن نظام العمل الذي تمخضت به ألمانيا عرف كيف يضبط نظام العمل عند العمالة، وزرع بداخلهم طابعا توجيهيا لا ذيوع له بدونه أو انتشار.

فيتعلم العامل هنا حب المعرفة والتجربة، ليضيف إلى تجاربه خبرة إضافية، ومع توالي الأيام تزداد الخبرات والتجارب ويعلم مالم يكن يعلم ويعمل مالم يكن قد عمله.

    بسبب نظام العمل المرن هنا، تجد الجميع لديهم القدرة على الإنتاج بقيمة عالية مهما كان نوع الإنتاج، وهذ ما يميز هذا البلد عن باقي البلاد، إذ توجد الندرة والقيمة العالية والمتوسطة والمبتدئة

ومع توالي السنوات وتوزع المهاجرين في أقطار البلد هنا، تتوزع الحضارات وتتباين الثقافات والمهارات، ومن تباين الثقافات تختلف نظرة العمالة إلى العمل من حيث نظامه. فالكثير من الأيدي العاملة يرون العمل الذهني وصمة عقاب على صاحبه يستحق عليها الشفقة، إذ يتطلب هذا النوع من العمل إبداعا حقيقيا في التخطيط وتركيز على مهام مهمة وصعبة، تحتاج لمجهود ذهني كبير.

وينتج عن هذا العمل قيمة جديدة وتطور في مستوى المهارة يصعب الحصول عليها بطريقة أخرى، وهذا المدى من الإبداع لا يأتي في امتلاك العمالة سواء كانوا من المهاجرين، أو القاطنين فيها للمزايا الأكاديمية من شهادات جامعية ولغات مختلفة وغيرها من المزايا الشائعة في العالم، بل من الخبرات الطويلة القادمة عبر سنوات في صلب العمل أيا كان المنصب أو الموقع.

لذا تتجه معظم العمالة ممن يودون تعلم الاختصاص هنا للطريق السريع، وذلك باتجاه العمل البدني أو التدريب المهني الذي لا يحتاج لمجهود ذهني كبير تقريبا، ولكنه قابل إلى التطور التحليلي والإبداعي مع مرور الزمن.

وحتى لا نبخس بحق التدريب المهني بكلامي هذا، فإن الكثير من الاختصاصات الجامعية في بعض من البلاد العربية والغربية تعادل في ألمانيا التدريب المهني.

وهنا نجد الشبان والشابات في ألمانيا عموما والقادمين من بلاد المهجر من ذوي أصحاب الخبرات والاختصاصات خصوصا أقل عددا، بينما الأشخاص المبتدئين وأصحاب المستوى المتوسط عددهم أكبر ويسهل توافرهم في معظم أرجاء البلاد.

لكن وبسبب نظام العمل المرن هنا، تجد الجميع لديهم القدرة على الإنتاج بقيمة عالية مهما كان نوع الإنتاج، وهذ ما يميز هذا البلد عن باقي البلاد، إذ توجد الندرة والقيمة العالية والمتوسطة والمبتدئة، والجميع منخرطون في بوتقة النظام العملي على أنه عادة من عادات الحياة، والتي تكلمت عنها في البداية.

    العمل في ألمانيا ليس مجرد عمل لكسب العيش فقط، فهو الوظيفة الطبيعية لكل إنسان يعيش هنا، ويعتبر واجبا وطنيا مقدسا بالمرتبة الأولى على كل فرد، ويهدف إلى بقاء الدولة الألمانية من الدول الرائدة عالميا في المجال الإبداعي

إن هذه العادة كانت وما زالت الركيزة الأساسية الكبرى لنجاح الإنتاج الصناعي منها والتكنولوجي بالدرجة الأولى في العالم.

وبعيدا عن النظام العملي والعادة المبتكرة، وكي لا ننسى أجمل وأهم نقطة في تلك المدونة، فإن المساواة في هذه البلاد لها من كلماتي نصيب الختام، إذ أن المساواة هنا في العمل أمر ثابت لا قرار فيه من تغيير. تعمل عليه الدولة دائما، وعلى قدر ما يعمل هنا الإنسان تتسع دائرة تطوره من النواحي الاجتماعية والعملية والمادية، ولهذا عملت الحكومة الألمانية على مدى السنوات الماضية في زرع فكرة أنه لا فرق كبير بين العمل المهني والعمل الذهني، إلا بما ندر، وكلاهما الهدف الأسمى في خلق وتطور الإنسان.

إن العمل في ألمانيا ليس مجرد عمل لكسب العيش فقط، فهو الوظيفة الطبيعية لكل إنسان يعيش هنا، ويعتبر واجبا وطنيا مقدسا بالمرتبة الأولى على كل فرد، ويهدف إلى بقاء الدولة الألمانية من الدول الرائدة عالميا في المجال الإبداعي، ومن كان قادرا ولايعمل، فلقد وضع على نفسه وصمة عار كالجندي الهارب من المعركة، فالجميع يعشقون ضغط العمل عموما، بعد أن عمدوا على رؤية حياة البطالة في البلاد المجاورة، واستنتاجهم أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وكلنا لا نستطيع نكران ذلك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لصحيفة الوعل الإلكترونية صب نولوجي نيوز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى